ترجمة الإمام المحدث والمرشد فضيلة العارف بالله
الشيخ نجم الدين محمد أمين الكردى النقشبندى( ت 1986م)
هو المحدث الكبير ، والمرشد القدير ، الشيخ نجم الدين بن محمد أمين الكردى الإربلى النقشبندى الشافعى الحسينى ، ((شاه نقشنبد)) عصره ، و ((فاروقى)) زمانه ، و ((خالد)) أوانه.
إذا ذكرت السنة الغراء فهو خادمها الأمين ، وناشر لوائها ، والداعى إلى التمسك بأهدابها ، وإذا ذكر الحديث الشريف فهو المحدث الناقد الثقة ، محقق نصوصه ، ومخرج أحاديه ، وشارح ألفاظه ومعانيه .
وإذا ذكرت الفضيلة كان هو رائدها ، وإذا ذكر التصوف كان هو الخبير بأمراض القلوب وعلاجها ، وغفلات النفوس ودوائها ، وإذا ذكر الإرشاد كان هو فارسه المقدم ، قائد المسترشدين إلى رب العالمين ، خالص النية لله سديد القصد، على علم وهدى وبصيرة ، سبيله الحكمة ووسيلته الموعظة الحسنة ، آخذا بأيديهم نحو الكمال وحميد الخصال ، يغذوهم بلبان الشريعة ، ويفيض عليهم من أنوار الحقيقة ، نبراسه كتاب الله ، ومتبوعه سيدنا رسول الله ، صلوات الله عليه وعلى آله وصحابته أجمعين . أحسن الله جزاءه عما قدم للمسلمين ، وبارك فى خلصائه الأجلاء إلى يوم الدين .
مولده ونشأته المباركة :
ولد يوم الجمعة ، (29) محرم سنة 1325 هـ ، الموافق (25/3/1907)، بحى بولاق في القاهرة حيث انتقل إليه والده الماجد من حى إمبابة . ووالدته رحمها لله من أسرة كريمة فى قرية كفر منصور من أعمال طوخ بمحافظة القليوبية ، تزوج منه الشيخ الكردى عام 1324 هـ (1906 م) ، وكناها ليلة بنائه عليها بأم نجم الدين . وكان الشيخ الكردى يتوسم فى ابنه أمارات الصلاح ، فكان كما رجاه ، وقد لقنه والده ذكر الله تعالى بالقلب وفق الطريقة النقشبندية ، على صغر سنه وكان يعجب الشيخ الكردى أن يراه جالسا جلسة الذكر متوركا مغمضا مطرقا آخذا فى الذكر القلبى، فيدعو الله له بالخير. وقد توفى عنه والده وله سبع سنين تقريبا .
حفظه القرآن والتحاقه بالأزهر الشريف :
حفظ الشيخ نجم الدين القرآن الكريم صغيرا ، وتلقى مبادئ القراءة والكتابة والنحو والعقيدة والعبادات على مذهب الإمام الشافعى ، ومبادئ الحساب والعلوم ، ثم ألحق بالأزهر الشريف ، وجلس ذات يوم وهو بعض زملائه من الطلبة ، فقال أحدهم : ليتمنى كل واحد على الله ما يريد تحقيقه ، فذكر كل واحد أمنيته ، وكانت أمانى دنيوية ، وتمنى الشيخ نجم الدين المعرفة والمغفرة ، فكان أن حقق الله تعالى لكل واحد منهم ما تمناه ، وأصبح الشيخ نجم الدين قطب عصره.
كما تتلمذ الشيخ نجم الدين على العلامة المحقق المحدث محمد زاهد الكوثرى ، فأخذ عنه علوم الحديث الشريف ورجاله ، وعلوم الجرح والتعديل ، حتى صار حجة فى هذا الميدان .
قيامه بأعباء الخلافة النقشبندية :
كان عالما بما يحتاج إليه المريد من الفقه والعقائد والتصوف ، عارفا بأمراض القلوب وسبل علاجها ، رؤوفا بالمسلمين ، شفيقا بالمريدين ، يتلطف فى معاملتهم ، ويسألهم عن أحوالهم ومتعلقاتهم ، ويبذل لهم النصح ، ويعاونهم بما قدر عليه من جهد أو مال أو جاه ، ولا يكلف أحدا بما هو فوق طاقته ، ويستر ما اطلع عليه من عيوبهم ، ويحذرهم من تأخير الصلوات ، أو التهاون فى الواجبات ، كما يحذرهم من الانهماك فى المباحات والذى يؤخر سير المريد إلى الله عز وجل .
عقيدته:
كان على عقيدة أهل السنة والجماعة ، حريصا على غرس العقيدة الصحيحة فى النفوس، يرى بحق أن فى الإسلام ما يحقق سعادة الفرد وصلاح المجتمع ، وأنه صالح لكل زمان ومكان ، كما كان يعتقد أن الإسلام نظام كامل دين ودولة ، لا يندرج تحت أى مذهب اجتماعى أو اقتصادى أو سياسى ، وأنه بحاجة إلى باحثين أكفاء أمناء ليكشفوا عما فى الإسلام من خصائص .
مذهبه الفقهى :
كان شافعى المذهب عالما بالأصول والفروع ، يعمل بأرجح الأقوال فى المذهب ، ويجل أئمة المذاهب الأربعة ، ويحترم علماءها ، وكان على دراية بأحكام كثيرة فى المذاهب الأربعة ، يفتى بها أحيانا إذا رأى فيها تيسيرا على المستفتى ، بشرط عدم التلفيق ، فقد كان يرى جواز تقليد أحد المذاهب الأربعة ، لكنه لم يكن يجيز التلفيق ، وهو تقليد إمام فى جزئية ، وإمام آخر فى جزئية فى العمل الواحد ، بحيث يتم على وجه لم يقل به أى مذهب من المذاهب . وكثيرا ما كان يحذر الناس من مدعى الاجتهاد والتجديد الذين ظهروا ليفتوا الناس بغير علم ، فضلوا وأضلوا .
وكان دائم الدعوة للتمسك السنة ، وكثرة المطالعة فى الأحاديث الشريفة ، ويحذر من أقوال المشككين فى السنة النبوية . وكان يؤكد دائما على أن سبيل الوصول إلى الله هو العقيدة السليمة والعمل بالشريعة الغراء . وكان يحذر مما يقع فى بعض الموالد والمناسبات الدينية من البدع والمنكرات مما يفعله بعض الجهلة المنتسبين إلى الطرق الصوفية ، خاصة اختلاط النساء بالرجال .
مولانا الشيخ نجم الدين وتقدير علماء عصره له :
أكبر تقدير من علماء عصره له أن كثيرين منهم كانوا مريدين له ، ومن لم يكن له مريدا كان محبا له ، ساعيا لزيارته ، مقدرين علمه وفضله ، من هؤلاء فضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الجامع الأزهر ، والمرحوم الشهيد الدكتور محمد حسين الذهبى ، وكانت آخر زيارة له للشيخ نجم الدين قبل استشهاده بخمسة أيام ، وقد تعجب الحاضرون عندما غادر الدكتور الذهبى منزل الشيخ من ظهور علامات الحزن على وجه شيخنا ، وزال عجبهم عند علموا بعدها بنبأ استشهاده .
صفاته ومكارمه :
كان رضى الله عنه قمحى اللون ، ربع القامة إلى الطول أقرب ، يرتدى زى العلماء الجبة والعمامة على طربوش مغربى ، ويضع شالا على كتفيه ، ذو لحية خفيفة عملا بالسنة ، لا يصافح النساء ، مقتصدا فى حياته ونفقته ، لا يحب السرف ، ولا الغلو ، ولا الترف . وكان شديدا أشد الحرص على التأسى بمتبوعه الأعظم صلى الله عليه وسلم ، على أسمى جانب من الكرم والجود والحلم ، ورعاية الأهل والأقارب والجيران . من أبرز صفاته التواضع ، والرفق ، يحب العلماء وطلبة العلم دائم الاهتمام لأمور المسلمين . داره دار ضيافة دائمة لا ينقطع عنها زواره ومريدوه ومحبوه ، يأوى إليها طلبة العلم يستزيدون من مكتبته العامرة ، ويمد لهم يد العون المادى والمعنوى والعلمى .
ومن صدقاته الخفية التى أظهرتها الأيام أنه كان يشجع الباعة الفقراء على السعى فى الرزق الحلال وعدم السؤال ، يشترى منهم ما لديهم من السلع بأزيد من الثمن على سبيل الصدقة الخفية ، وكم من فقير تكفل رضى الله عنه بكافة نفقات زواجه من مهر وسكن وملابس … إلخ . وبعد وفاته ظهرت كثير من الأسر التى كان يعولها سرا ، لفقد عائلها أو أقعدهم المرض والشيخوخة ، أو ضاقت بهم سبل الرزق ، ولا يعرف أحد بذلك .
وكان قلبه دائما معلق بالله ، ووقته كله لله ، إما فى إلقاء درس ، أو عمل ختم (جلسة الذكر النقشنبدية) ، أو تعليم الطريق ، أو القيام بمهام الإرشاد ، أو قضاء مصالح المريدين وحل مشكلاتهم ، والسعى فى مصالحهم ومصالح أهله ، فإن لم يكن شىء من ذلك أخذ فى تلاوة القرآن الكريم أو الاستماع إلى تلاوته ، وقراءة كتب العلم ، وخاصة التفسير والحديث واللذين كان له بهما عناية خاصة . وكان له فى اليوم ثلاثة ختمات للقرآن الكريم ، ختمة لنفسه منفردا ، وختمة مع أحد مريديه من حفظة القرآن ، وختمة أخرى مع التفسير . وقد حج رضى الله عنه ثلاث مرات ، واعتمر كثيرا .
وكان فى دروسه العلمية حريصا على سهولة العبارة ، بحيث لا يعجز عن فهمه الصغير والكبير .
وقد حرص على تربية أبنائه تربية صالحة ، وغرس فيهم الروح الدينى ، وألحق أغلبهم الأزهر الشريف ، حتى صاروا من كبار علمائه ، وحرص حرصا بالغا على ترقيتهم الترقية الروحية ، وتهيئتهم للإرشاد والخلافة لما فيهم من القابلية والاستعداد الحقيقى ، وجميعهم بفضل الله من أهل الكمال والتربية العالية ، نفع الله بهم المسلمين وبارك لنا فيهم ، وهم :
1) العارف بالله الأستاذ الدكتور عبد الرحمن الكردى (محمد عبد الرحمن بن نجم الدين بن محمد أمين الكردى) ، نائب رئيس جامعة الأزهر الأسبق ، وأحد كبار أساتذة كلية اللغة العربية ، رحمه الله تعالى ، والذى تولى أعباء الخلافة النقشبندية بعد وفاة مولانا الشيخ نجم الدين الكردى ، وتوفى بعده بحوالى عامين (1408 هـ/ 1988 م) .
2) الشيخ الصالح علاء الكردى (علاء الدين بن نجم الدين بن محمد أمين الكردى) ، وكان رحمه الله تعالى من نوابغ طلبة الأزهر ، وتوفى شابا فى حياة والده فى الثمانينات من القرن الهجرى الماضى .
3) العارف بالله الأستاذ الدكتور ضياء الدين الكردى (محمد ضياء الدين بن نجم الدين بن محمد أمين الكردى) ، رئيس قسم العقيدة بكلية أصول الدين ، أعجوبة وقته فى العلم والمعرفة وسعة الاطلاع على مذاهب المتقدمين والمعاصرين ، مع المشاركة التامة والقوية فى كافة علوم الإسلام على طريقة علماء الأزهر القديمة ، والاطلاع الواسع على الثقافة الحديثة ، والفكر الغربى ، والأدب ، وكان قائما بالحق ، لا يرده عنه لومة لائم ، ناصحا لولاة الأمر بما يجب ، وكان محل ثقتهم واستشارتهم الدائمة ، وقد تولى أعباء الخلافة النقشبندية بعد وفاة مولانا الشيخ عبد الرحمن الكردى ، فقام بها خير قيام ، فسلك بالمريدين طريقة الجد والعزم ، مع الهيبة والجلال ، وانتقل إلى رضوان الله تعالى (17 من ذى القعدة سنة 1422 ، الموافق 31/1/2003)
4) مولانا العارف الكبير الشيخ المستشار الدكتور محمد نجم الدين الكردى ، نفعنا الله به ، وأمد فى عمره ، وأعانه على أعباء الإرشاد والخلافة النقشبندية .
5) الولى الصالح الخفى التقى الشيخ حميد نجم الدين الكردى حفظه الله تعالى ونفعنا به .
6) الولى الكبير ، فضيلة الشيخ أحمد نجم الدين الكردى ، صاحب الأحوال السنية ، أحد القلائل الذين يربون المريدين إلى اليوم من طريق الخدمة ، ويرقونهم منها إلى معرفة الله تعالى ، والتخلى عن الأخلاق الردية ، والتخلق بالآداب العلية ، وهى من أصعب طرق التربية وأخفاها ، نسأل الله تعالى أن يبارك فيه وينفع به .
7) فضيلة الشيخ الفاضل حسن نجم الدين الكردى ، القاضى بوزارة العدل .
فضيلة الشيخ الفاضل حسين نجم الدين الكردى ، وكلاهما تخرج فى كلية الشريعة بالأزهر الشريف ، وعليهما من الأنوار البهية ما يطالع الناظر ، ولهما من الأخلاق السنية ما يدركه المخالط ، إذا رأيتهما ذكرت الله تعالى ، مع قوة التأثير فى القلوب ، نسأل الله أن يبارك فيهما وينفع بهما ويزيدهما من فضله .
مرض مولانا الشيخ نجم الدين الكردى ووفاته :
أصاب المرض مولانا الشيخ نجم الدين ولازمه سنين حياته الأخيرة ، حتى انتقل إلى رضوان الله تعالى عقب فجر يوم الجمعة السادس والعشرين من ذى القعدة سنة (1406 هـ / 1986 م) ، رحمه الله تعالى .
نسأل الله تعالى أن ينفعنا بمشايخنا ، ويبارك لنا فيهم ، ويحشرهم وكل محبيهم على حوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، ويظلهم بظله يوم لا ظل إلا ظله ، اللهم آمين .
الشيخ نجم الدين محمد أمين الكردى النقشبندى( ت 1986م)
هو المحدث الكبير ، والمرشد القدير ، الشيخ نجم الدين بن محمد أمين الكردى الإربلى النقشبندى الشافعى الحسينى ، ((شاه نقشنبد)) عصره ، و ((فاروقى)) زمانه ، و ((خالد)) أوانه.
إذا ذكرت السنة الغراء فهو خادمها الأمين ، وناشر لوائها ، والداعى إلى التمسك بأهدابها ، وإذا ذكر الحديث الشريف فهو المحدث الناقد الثقة ، محقق نصوصه ، ومخرج أحاديه ، وشارح ألفاظه ومعانيه .
وإذا ذكرت الفضيلة كان هو رائدها ، وإذا ذكر التصوف كان هو الخبير بأمراض القلوب وعلاجها ، وغفلات النفوس ودوائها ، وإذا ذكر الإرشاد كان هو فارسه المقدم ، قائد المسترشدين إلى رب العالمين ، خالص النية لله سديد القصد، على علم وهدى وبصيرة ، سبيله الحكمة ووسيلته الموعظة الحسنة ، آخذا بأيديهم نحو الكمال وحميد الخصال ، يغذوهم بلبان الشريعة ، ويفيض عليهم من أنوار الحقيقة ، نبراسه كتاب الله ، ومتبوعه سيدنا رسول الله ، صلوات الله عليه وعلى آله وصحابته أجمعين . أحسن الله جزاءه عما قدم للمسلمين ، وبارك فى خلصائه الأجلاء إلى يوم الدين .
مولده ونشأته المباركة :
ولد يوم الجمعة ، (29) محرم سنة 1325 هـ ، الموافق (25/3/1907)، بحى بولاق في القاهرة حيث انتقل إليه والده الماجد من حى إمبابة . ووالدته رحمها لله من أسرة كريمة فى قرية كفر منصور من أعمال طوخ بمحافظة القليوبية ، تزوج منه الشيخ الكردى عام 1324 هـ (1906 م) ، وكناها ليلة بنائه عليها بأم نجم الدين . وكان الشيخ الكردى يتوسم فى ابنه أمارات الصلاح ، فكان كما رجاه ، وقد لقنه والده ذكر الله تعالى بالقلب وفق الطريقة النقشبندية ، على صغر سنه وكان يعجب الشيخ الكردى أن يراه جالسا جلسة الذكر متوركا مغمضا مطرقا آخذا فى الذكر القلبى، فيدعو الله له بالخير. وقد توفى عنه والده وله سبع سنين تقريبا .
حفظه القرآن والتحاقه بالأزهر الشريف :
حفظ الشيخ نجم الدين القرآن الكريم صغيرا ، وتلقى مبادئ القراءة والكتابة والنحو والعقيدة والعبادات على مذهب الإمام الشافعى ، ومبادئ الحساب والعلوم ، ثم ألحق بالأزهر الشريف ، وجلس ذات يوم وهو بعض زملائه من الطلبة ، فقال أحدهم : ليتمنى كل واحد على الله ما يريد تحقيقه ، فذكر كل واحد أمنيته ، وكانت أمانى دنيوية ، وتمنى الشيخ نجم الدين المعرفة والمغفرة ، فكان أن حقق الله تعالى لكل واحد منهم ما تمناه ، وأصبح الشيخ نجم الدين قطب عصره.
كما تتلمذ الشيخ نجم الدين على العلامة المحقق المحدث محمد زاهد الكوثرى ، فأخذ عنه علوم الحديث الشريف ورجاله ، وعلوم الجرح والتعديل ، حتى صار حجة فى هذا الميدان .
قيامه بأعباء الخلافة النقشبندية :
كان عالما بما يحتاج إليه المريد من الفقه والعقائد والتصوف ، عارفا بأمراض القلوب وسبل علاجها ، رؤوفا بالمسلمين ، شفيقا بالمريدين ، يتلطف فى معاملتهم ، ويسألهم عن أحوالهم ومتعلقاتهم ، ويبذل لهم النصح ، ويعاونهم بما قدر عليه من جهد أو مال أو جاه ، ولا يكلف أحدا بما هو فوق طاقته ، ويستر ما اطلع عليه من عيوبهم ، ويحذرهم من تأخير الصلوات ، أو التهاون فى الواجبات ، كما يحذرهم من الانهماك فى المباحات والذى يؤخر سير المريد إلى الله عز وجل .
عقيدته:
كان على عقيدة أهل السنة والجماعة ، حريصا على غرس العقيدة الصحيحة فى النفوس، يرى بحق أن فى الإسلام ما يحقق سعادة الفرد وصلاح المجتمع ، وأنه صالح لكل زمان ومكان ، كما كان يعتقد أن الإسلام نظام كامل دين ودولة ، لا يندرج تحت أى مذهب اجتماعى أو اقتصادى أو سياسى ، وأنه بحاجة إلى باحثين أكفاء أمناء ليكشفوا عما فى الإسلام من خصائص .
مذهبه الفقهى :
كان شافعى المذهب عالما بالأصول والفروع ، يعمل بأرجح الأقوال فى المذهب ، ويجل أئمة المذاهب الأربعة ، ويحترم علماءها ، وكان على دراية بأحكام كثيرة فى المذاهب الأربعة ، يفتى بها أحيانا إذا رأى فيها تيسيرا على المستفتى ، بشرط عدم التلفيق ، فقد كان يرى جواز تقليد أحد المذاهب الأربعة ، لكنه لم يكن يجيز التلفيق ، وهو تقليد إمام فى جزئية ، وإمام آخر فى جزئية فى العمل الواحد ، بحيث يتم على وجه لم يقل به أى مذهب من المذاهب . وكثيرا ما كان يحذر الناس من مدعى الاجتهاد والتجديد الذين ظهروا ليفتوا الناس بغير علم ، فضلوا وأضلوا .
وكان دائم الدعوة للتمسك السنة ، وكثرة المطالعة فى الأحاديث الشريفة ، ويحذر من أقوال المشككين فى السنة النبوية . وكان يؤكد دائما على أن سبيل الوصول إلى الله هو العقيدة السليمة والعمل بالشريعة الغراء . وكان يحذر مما يقع فى بعض الموالد والمناسبات الدينية من البدع والمنكرات مما يفعله بعض الجهلة المنتسبين إلى الطرق الصوفية ، خاصة اختلاط النساء بالرجال .
مولانا الشيخ نجم الدين وتقدير علماء عصره له :
أكبر تقدير من علماء عصره له أن كثيرين منهم كانوا مريدين له ، ومن لم يكن له مريدا كان محبا له ، ساعيا لزيارته ، مقدرين علمه وفضله ، من هؤلاء فضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الجامع الأزهر ، والمرحوم الشهيد الدكتور محمد حسين الذهبى ، وكانت آخر زيارة له للشيخ نجم الدين قبل استشهاده بخمسة أيام ، وقد تعجب الحاضرون عندما غادر الدكتور الذهبى منزل الشيخ من ظهور علامات الحزن على وجه شيخنا ، وزال عجبهم عند علموا بعدها بنبأ استشهاده .
صفاته ومكارمه :
كان رضى الله عنه قمحى اللون ، ربع القامة إلى الطول أقرب ، يرتدى زى العلماء الجبة والعمامة على طربوش مغربى ، ويضع شالا على كتفيه ، ذو لحية خفيفة عملا بالسنة ، لا يصافح النساء ، مقتصدا فى حياته ونفقته ، لا يحب السرف ، ولا الغلو ، ولا الترف . وكان شديدا أشد الحرص على التأسى بمتبوعه الأعظم صلى الله عليه وسلم ، على أسمى جانب من الكرم والجود والحلم ، ورعاية الأهل والأقارب والجيران . من أبرز صفاته التواضع ، والرفق ، يحب العلماء وطلبة العلم دائم الاهتمام لأمور المسلمين . داره دار ضيافة دائمة لا ينقطع عنها زواره ومريدوه ومحبوه ، يأوى إليها طلبة العلم يستزيدون من مكتبته العامرة ، ويمد لهم يد العون المادى والمعنوى والعلمى .
ومن صدقاته الخفية التى أظهرتها الأيام أنه كان يشجع الباعة الفقراء على السعى فى الرزق الحلال وعدم السؤال ، يشترى منهم ما لديهم من السلع بأزيد من الثمن على سبيل الصدقة الخفية ، وكم من فقير تكفل رضى الله عنه بكافة نفقات زواجه من مهر وسكن وملابس … إلخ . وبعد وفاته ظهرت كثير من الأسر التى كان يعولها سرا ، لفقد عائلها أو أقعدهم المرض والشيخوخة ، أو ضاقت بهم سبل الرزق ، ولا يعرف أحد بذلك .
وكان قلبه دائما معلق بالله ، ووقته كله لله ، إما فى إلقاء درس ، أو عمل ختم (جلسة الذكر النقشنبدية) ، أو تعليم الطريق ، أو القيام بمهام الإرشاد ، أو قضاء مصالح المريدين وحل مشكلاتهم ، والسعى فى مصالحهم ومصالح أهله ، فإن لم يكن شىء من ذلك أخذ فى تلاوة القرآن الكريم أو الاستماع إلى تلاوته ، وقراءة كتب العلم ، وخاصة التفسير والحديث واللذين كان له بهما عناية خاصة . وكان له فى اليوم ثلاثة ختمات للقرآن الكريم ، ختمة لنفسه منفردا ، وختمة مع أحد مريديه من حفظة القرآن ، وختمة أخرى مع التفسير . وقد حج رضى الله عنه ثلاث مرات ، واعتمر كثيرا .
وكان فى دروسه العلمية حريصا على سهولة العبارة ، بحيث لا يعجز عن فهمه الصغير والكبير .
وقد حرص على تربية أبنائه تربية صالحة ، وغرس فيهم الروح الدينى ، وألحق أغلبهم الأزهر الشريف ، حتى صاروا من كبار علمائه ، وحرص حرصا بالغا على ترقيتهم الترقية الروحية ، وتهيئتهم للإرشاد والخلافة لما فيهم من القابلية والاستعداد الحقيقى ، وجميعهم بفضل الله من أهل الكمال والتربية العالية ، نفع الله بهم المسلمين وبارك لنا فيهم ، وهم :
1) العارف بالله الأستاذ الدكتور عبد الرحمن الكردى (محمد عبد الرحمن بن نجم الدين بن محمد أمين الكردى) ، نائب رئيس جامعة الأزهر الأسبق ، وأحد كبار أساتذة كلية اللغة العربية ، رحمه الله تعالى ، والذى تولى أعباء الخلافة النقشبندية بعد وفاة مولانا الشيخ نجم الدين الكردى ، وتوفى بعده بحوالى عامين (1408 هـ/ 1988 م) .
2) الشيخ الصالح علاء الكردى (علاء الدين بن نجم الدين بن محمد أمين الكردى) ، وكان رحمه الله تعالى من نوابغ طلبة الأزهر ، وتوفى شابا فى حياة والده فى الثمانينات من القرن الهجرى الماضى .
3) العارف بالله الأستاذ الدكتور ضياء الدين الكردى (محمد ضياء الدين بن نجم الدين بن محمد أمين الكردى) ، رئيس قسم العقيدة بكلية أصول الدين ، أعجوبة وقته فى العلم والمعرفة وسعة الاطلاع على مذاهب المتقدمين والمعاصرين ، مع المشاركة التامة والقوية فى كافة علوم الإسلام على طريقة علماء الأزهر القديمة ، والاطلاع الواسع على الثقافة الحديثة ، والفكر الغربى ، والأدب ، وكان قائما بالحق ، لا يرده عنه لومة لائم ، ناصحا لولاة الأمر بما يجب ، وكان محل ثقتهم واستشارتهم الدائمة ، وقد تولى أعباء الخلافة النقشبندية بعد وفاة مولانا الشيخ عبد الرحمن الكردى ، فقام بها خير قيام ، فسلك بالمريدين طريقة الجد والعزم ، مع الهيبة والجلال ، وانتقل إلى رضوان الله تعالى (17 من ذى القعدة سنة 1422 ، الموافق 31/1/2003)
4) مولانا العارف الكبير الشيخ المستشار الدكتور محمد نجم الدين الكردى ، نفعنا الله به ، وأمد فى عمره ، وأعانه على أعباء الإرشاد والخلافة النقشبندية .
5) الولى الصالح الخفى التقى الشيخ حميد نجم الدين الكردى حفظه الله تعالى ونفعنا به .
6) الولى الكبير ، فضيلة الشيخ أحمد نجم الدين الكردى ، صاحب الأحوال السنية ، أحد القلائل الذين يربون المريدين إلى اليوم من طريق الخدمة ، ويرقونهم منها إلى معرفة الله تعالى ، والتخلى عن الأخلاق الردية ، والتخلق بالآداب العلية ، وهى من أصعب طرق التربية وأخفاها ، نسأل الله تعالى أن يبارك فيه وينفع به .
7) فضيلة الشيخ الفاضل حسن نجم الدين الكردى ، القاضى بوزارة العدل .
فضيلة الشيخ الفاضل حسين نجم الدين الكردى ، وكلاهما تخرج فى كلية الشريعة بالأزهر الشريف ، وعليهما من الأنوار البهية ما يطالع الناظر ، ولهما من الأخلاق السنية ما يدركه المخالط ، إذا رأيتهما ذكرت الله تعالى ، مع قوة التأثير فى القلوب ، نسأل الله أن يبارك فيهما وينفع بهما ويزيدهما من فضله .
مرض مولانا الشيخ نجم الدين الكردى ووفاته :
أصاب المرض مولانا الشيخ نجم الدين ولازمه سنين حياته الأخيرة ، حتى انتقل إلى رضوان الله تعالى عقب فجر يوم الجمعة السادس والعشرين من ذى القعدة سنة (1406 هـ / 1986 م) ، رحمه الله تعالى .
نسأل الله تعالى أن ينفعنا بمشايخنا ، ويبارك لنا فيهم ، ويحشرهم وكل محبيهم على حوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، ويظلهم بظله يوم لا ظل إلا ظله ، اللهم آمين .